Friday, June 23, 2006

فصل التعبيرات

غرائب التعبيرات الشعبية المصرية

كُنت بين الرفُوف والمَرَاجِع فى غرفة مكتبى حينما كُنت مُنهمكًا أفكِّر فى تَعبيراتنا المصرية .. كُنت أتسائل: من هو أول من قرَّر استخدام تعبيرات بعينها كما فى تعبيراتنا التى لها صِفة المِصرية الشديدة ؛ فمن الذى اخترع التعبير "ما بكُلش م الكلام ده"؟ وهل يؤكَل الكلام؟ أو التعبير "فُلان كَلنى فى الكلام" أو "قاللى كِده رُحت واكله" ، وهل تؤكَل الأشخاص؟ ... من أول من استخدم تعبير "عصافير بَطنى بتصوصو" كناية عن الجُوع؟ ... من صاحب التعبيرات "مش نازلى من زور" ، "ما يتبلعِش" ، "دمُّه تقيل على قلبى" ، "دمُّه سِم" ، "دمُّه يلطُش" وكلها كناية عن عدم الاستلطاف؟ ... من الذى ابتكَر تعبير "إديلُه الطَرشه"؟ وهل كل إنسان عنده أذُن صَمَّاء؟ ... ما العلاقة بين البَجَاحة والوِش المَكشوف ، وما هو الوِش المَكشوف؟ ... ومن الذى أطلق على الصنايعى الماهر "ابن حِنتْ"؟ وما هو الحِنت؟ ... من هو "بارِم ديله" فى التعبير الشعبى الظَريف "إبن بَارِم ديلهُ"؟ .. ولماذا ندعو ذو اليد القوية "أيده طَرشه"؟ ... هل سمعت عبارة "بَلا بطيخ" عندما تقول لشخص مثلاً "إحترام القانون واجب" فيرد بسخرية: "يا عم بَلا قانون بَلا بطيخ"؟ ، فما العلاقة بين أى شئ والبطيخ؟ ... هل تستخدم التعبير "حسَّك عينَك"؟ ما معناه؟ ... هل تستخدم التعبيرات الظريفة مثل "لِسَّة ما طلِعش م البيضة" ، "إبن امبارح"؟ .. ما أصلها؟ ... كلها تعبيرات يحار المرء فى إيجاد أصلها بسهولة ؛ فإذا كان بعضها من أصل مصرى قديم ، كان علينا أن نستعين بحتشبسوت أو أخناتون فهُمَا الأقدر على حل لُغز تلك التعبيرات ، وربما كانت تلك الكلمات الشعرية لصديقى عصام سعد هى أصدق تعبير عن حالى أثناء البحث:

وسط المسلات والمَعابِد
وما بين المراجِع والرفُوف
عِشت سَهران بكَـابد
عناء البحث وعِند الحروف

يا حتشبسـوت تعـالى قَوَام
ويا اخناتون يا رسول السَلام
أبوس ايديكوا .. فيـن الاقي
خريطـة جينــات الكلام

خَدت الخريطة وقَعدت أحفُر في المَكان
وكل ما ألقى كِلمة أعِد الخَطَاوي
وأحفُر كَمان
دي كلمة دَهب ودي كلمة فَضَّة وديه برُونز
وبصرخِة الفَرحَة طلّعْت صندوق الكِنزْ
أتاريه تحت رجلينا مدفُون من زمان

حقًا ما أغرب تعبيراتنا الشعبية بما فيها من تنوُّع ، ومن نُكتَة ، وسُخرية من الناس ، والزَمن ، والمسئولين ، وحتى من النفس. وما أصدق تعبيرات المصرى القديم التى قاومَت الاف السنين حتى أننا ورثنا الكثير منها دون أن ندرى ... يعبِّر المصرى القديم عن الحياة واصِفًا أياها بكلمة "ﺖﺮﻐﭙ" وهى تعنى حرفيًا (حالة زائلة) أى أن (الدنيا فانية) كما نقول الآن ، ويقول المصرى القديم لضيوفه "ﭙﻭ ﭗﺴ نفر" ويعنى (فرصة سعيدة) كما نقول الآن تمامًا. وهكذا كان يستخدم المصرى القديم كثير من التعبيرات التى ما زلنا نكررها كما هى ولكن بعد ترجمتها للعربية ؛ تلك التعبيرات التى فاقت فى إبحارها للزمن إبحار الجِمال فى البيداء ؛ تلك التعبيرات بما تحتوى من سِحْر فنون اللغة ومن حِكمة ومن مجاز يخطف المشَاعِر جعلنى بوحى مما قيل عن كتاب "المستطرف في كل فن مستظرف" للأبشيهي أقول:

تعابيرنا الشعبيـة مُتـوَّجة ... بألفاظٍ كأنها الدُر المكنون

في كل تعبير دُرٌ مُـؤلَّف ... كنظم عُقودِ زينتها فنون

فنون السِحر والجَمــالْ ... ومجازِ خَطَف المَشَاعر

لتعابيـر صبَرَت كالجِمـالْ ... ولغة كُل حروفهـا جواهِر


فتعالى معى نتأمل بعض منها لنتلمَّس العلاقة بين تعبيراتنا الحالية وجذورها الفرعونية القديمة.

سِت الكُل
أول من أطلَق التعبيرات المُحترمة الرقيقة على المرأة هو المصرى القديم ؛ فهو من قال "مرتى" بمعنى (زوجتى) وتعنى حرفيًا (حبيبتى) ، مأخوذة من الفعل "مرى" بمعنى (يحب) ، وقد اتفق العرب مع المصريين القدماء فى الكلمة الدالة على الزوجة وإن اختلف المعنى الأصلى ؛ ففى تاج العروس تحت (م ر أ) نجد: "مرؤ" هو (الرجل) ، ونقول "ذو مروءة وإنسانية" بمعنى (كامل الرجولة وذو إنسانية) ، والمرء والأنثى مرأة هو (الإنسان) .. وقال الليث: "امرأة" تأنيث "امرئ" ، وقال ابن الأنباري عن الألف في امرأة وامرئ أنها (ألف وصل) ، قال: وللعرب في المرأة ثلاث لغات ، يقال: هي امرأته ، وهي مَرأته ، وهي مرته. ويُفهم من هذا أن كلمة "مرته" كان يقصد العربى بها (إنسانته) بما تحمل من كرامة ، ويقصد المصرى القديم (حبيبته) بما تحمل من حب ، وبغض النظر عن أى شبهة لعلاقة اشتقاقية ؛ فنحن واثقون أن أجدادنا قالوا للزوجة "مرة" بمعنى (حبيبة) كما تذكر كل المعاجم المصرية القديمة فى هذا المضمار ... وبنفس الرقة ، وفى تعبيراته الأدبية قال المصرى القديم "ن – مروت" بمعنى (لكى) ، وهى حرفيًا (فى حب) ؛ وهو من قال عن المرأة المتزوجة "نبت ﭘﺮ" هذا التعبير الشِيك الذى يعنى (ست البيت). أيضًا احترم المصرى القديم المرأة بصفة عامة فدعاها احترامًا "نبت-ر-ﺮﭽ" بمعنى (سيدة الكُل) ، وهى مُركَّبَة من "نبت" بمعنى (ربة ، سيدة) ، ومن "ﺮﭽﺮ" بمعنى (للكل) ، وكان هذا التعبير هو اللقب الذى يُعطى للملكة فى مصر القديمة (Fr. P.324) واستخدمه البعض للمبالغة فى التكريم ، ومن هنا استخدمه العامة فى تعبيراتهم احترامًا قائلين "أأمرى يا ست الكل" ، "دى إنتى ستى وست الكل" إلى تلك التعبيرات التى تحترم المرأة المصرية. ويقول الشاعر عصام سعد:

سِتي وسِت الكُـــل ، وأول فَرحِـــتي
تحتيها لامَّة الكُـــل .. ومآنسَة وحـدِتي
بَغَرَّبْ في الكلام وأقسى في شدتي
أرجع آلاقي العيال بالدفا شبعَـانَة
يِرجَع لي الأمان تاني .. واشد التُكال على سِكِّتي

مسافر بلاد بَره
قد تسمع هذا الحوار فى أى مكان بمصر: "والله أنا سايب الحِتَّة بقالى عشر سنين دلوقتى .. أمَّال الأسطى جمال فين أراضيه؟" ؛ فيُجاب عليه: "والله مسافر برَّه من فترة" ، وبالطبع يَفهَم السائل أن العبارة "مسافر بره" تعنى أنه فى دولة أخرى غير مصر ، ونفس التعبير فى العربية الفصحى "سافَر للخَارِج" ؛ وهناك اتفاق اصطلاحى أن كلمة "برَّة" تعنى (خارج مصر) ، من أين جاء؟. كان المصرى القديم يقول "غنو" بمعنى (المنزل ، الوطن ، مقر الإقامة) (Fr. P.202) ؛ وكانت تعنى حرفيًا (الداخل) ، ولما كان الداخل هو (مصر الوطن) كان الخارج هو ما تعدى حدود هذا الوطن ، أى أن المصرى القديم كان يعبر عن خارج الوطن كما نعبِّر الآن تمامًا. ويقول الشاعر عصام سعد:

مسافر بلاد برَّه .. بعد ما تعبت من جوه
وتهاجر يا حمدان وتتغرب ؟
ده انت ضهري يا ولدي .. وانت السَنَد والجوة
يا أمه انا متغرَّب ما بين ناسي
ومسافر وأنا جُوه
الغُربة مِش أرض وسَجَر يا أمه
الغُربة من جـوه

راكبُه ميت عفريت
كثيرًا ما نسمع تعبيرات مثل "راكبُه مِيت عفريت" أو تسمع شخص يقول "سيبنى دلوقتى أحسن عفاريت الدنيا بتتنطط قدامى" ، أو تسمع العبارة "أول ما سِمِع الموضوع الفلانى راح اتعفرت ورِكبُه ميت عفريت" ، وربما دعونا العفاريت بتخصصاتها فقلنا "راكبه العَصَبى" ، ومن هنا تكتشف بسهوله العلاقة بين شدة الغضب والعفاريت ؛ فهل ورثناها أيضًا من المصرى القديم!. يقول المصرى القديم "شماو" أو "شماى" بمعنى (مِحنة ، أسى ، ضيق ، مَرَض) ، ثم يقول أيضًا "شماو" بمعنى (شياطين المَرَض) (Fr. P.266) ؛ أى أن المصرى القديم يرى علاقة واضحة بين المرض أو الضيق الشديد وبين العفاريت ، وهو ما جعلنا نحتفظ بتلك الذكريات فى تعبيراتنا العامية.

ومن اللطيف أن نذكر أن كلمة "ستع" والتى ترجمها فوكنر على أنها (ضَربٌ أو نبضٌ من الكائنات الشريرة) (Fr. P.205) ، ما هى إلا كلمة "صداع" التى نستخدمها حاليًا للتعبير عن ألم الرأس ، ومنها أتينا بالفعل "يصدَّع" ، فإذا تأملنا الكلمة المصرية القديمة "ستع" وجدناها مركبة من "ست" بمعنى (مكان) ، من "ع" بمعنى (يد) ، ومن عصفور الشر الذى فى حالة الجمع (للدلالة على الكائنات الشريرة) والمقصود بالكائنات الشريرة هو (الشياطين) أو (العفاريت) ؛ فقد رَبَطَ المصرى القديم بين الصُداع كمرَض والشياطين ككائنات مسببة للمرض ؛ فالصداع عند المصرى القديم هو (موضِع يد الكائنات الشريرة أو العفاريت). ويقول الشاعر عصام سعد:

يا خلق ها تجنن .. وعقلي راكبُه ميت عفــريت
ليه بأعمل العمله .. وأرجع أقول يا ريتني يا ريت
واقول لنفسي هوه أنا اللي كُنت عَملت .. والا أنا اتزقيت ؟
يعني أبقى كِده مسيَّر .. والا مخيَّر؟ والا يبقى خليط ؟
كم مرة قلت مِش سامع إلا صُوت عقلي .. كم مرة كُنت نويت
وارجع أقول العِند خيبة ، واطُب في الخيَّة .. وكم مرَّة طبيت
بقولك يا صاحبي عشان لما أبقى أتجنن ..
تعرف ليه أنا اتجنيت

نُورَك غطا ع الكهربا

من التعبيرات الظريفة والشهيرة فى مصر "نورك غطى ع الكهربا" ، "نورك فاق الكل" ، "وشها كالبدر فى تمامه" ، "وِشَّك ولا القَمَر". وكلها تعبيرات فى صيغة مبالغة هدفها المجاملة والترحيب المفرط بمن نحب ، وهى عادة تميِّز المصريين عن غيرهم من الشعوب. ويعجبنى كثيرًا تعبير كل منا يسمعه فى الأحياء الشعبية ؛ حين تقول خالتى أم حسنين لخالتى أم فاروق: "والله يا أم فاروق يا ختى أنا جايبالِك عروسة لسِ فاروق تقول للبدر قوم وأنا أقعد مطرَحَك" .. ولك أن تتخيل البَدر وهو يتخلى عن مكانه تاركًا أياه لمن هى أجمل منه بهاءًا وجمالاً .. إنه تصوير طالما كان يعجبنى وأنا صغير ، وكنت أتساءل عن طبيعة ذلك الحوار بين تلك الجميلة وهذا البدر الغامض ، وأضع افتراضه بالرفض ، ولِمَا لا ! ؛ فربما قالت للبدر: "قوم عشان أقعد مطرحك" ، فيرد ببساطة: لأ ، أو مش قايم ، أو معاكى حُكم م المحكمة؟ ... وقد تصدّقنى لو قلت لك أن أى من تلك التعبيرات السابقة كان يقوله المصرى القديم بحذافيره – فهو وارد - أما لو تجرأت وقلت لك أن تعبير "نورك غطى ع الكهربا" من أيام الفراعنة ، فلن تتمالكك نفسَك من الضحك على هذه النكتة وسوف تقول بطريقة ساخرة كعادة المصريين:

يا آخى لمـا تحب تُفشـُر ولو كدِبت ع النـاس وعَدِّت ...
... خلِّى فَشـرَك معقــول صعب تكـدِب على طـول

وسوف أعذُرَك بالطبع على ظنَّك هذا ، ولكن صبرًا وتعال نتأمل سويًا ذلك التعبير المصرى القديم الذى ورد بمعجم فوكنر "ﺤﭻ.ن نفرو.ف بخنت" (Fr. P.182) ، وهو مركب من "ﻰﭼﺤ" بمعنى (يكسِف ، يخسِف) ، "ن" للماضى ، "نفرو.ف" بمعنى (جماله) ، "بخنت" بمعنى (عمود إنارة) ؛ أى أن الجملة تعنى (جماله كَسَف عمُود الإنارة). ولكن هل كان فى مصر القديمة (أعمدة إنارة)؟ بالطبع نعم ، فقد كان عمود الإنارة يوضع فى العادة على أعمدة توجد عند مداخل بوابات منازل الأثرياء وبوابات القصور والمعابد كما يظهر من صورة المُخصص حيث يعبِّر عن شكل البوابة التى يوضع عليها الإنارة ؛ وبالطبع لم تكن تعمل بالكهرباء بل كانت عبارة شعلة نارية غذائها الزيت .. وربما غُلفِت فيما بعد بوعاء من الزجاج لحمايتها من الرياح وتحسين أدائها. أى أن المصرى القديم كان يستخدم تقريبًا نفس تعبيرنا العامى الحالى عندما نقول "نُورَك غَطّا ع الكهربا" ولكنه يقول "نورك غطا على نور عمود الإنارة". ويقول عصام سعد:

يا اهلا بالفلتزيون .. يا تلتميت مرحبا
دي البلد في عيد .. ونوركوا غطا ع الكهربا
السماد؟ ماله السماد .. ده زرعنا بيتدلع
الدنيا مولعة؟ فداك يا سعادة البيه
وماله ما تولع
تعليم وصحة ايه يا باشا
صحكتوا ابدى يا باشـا
واحنا نتدردع
وجفتوا تصوير ليه .. النور انجطع؟
يا تلتميت مرحبا
ده كفاية طلتكوا .. ونوركوا غطا ع الكهربا

ذو نظرة ثاقبة
ما هى النظرة الثاقبة؟ ولماذا ندعوا البعض أنه ذو نظرة ثاقبة؟ عندما نقول أن فلانًا ذو نظرة ثاقبة نعنى أنه تعدى حدود المألوف للعيون الأخرى وأخترق الشئ بنظره ثاقبًا أياه عالمًا ما وراءه ، فيكون حُكمه أصوب وأعمق حيث رأى بعينه ما لم يره الآخرُون. هذا التعبير العربى كناية عن أن النظر يُصدِر شيئًا ما يثقب ما يراه .. هل النظر ينطلق منه شيئًا يتعدى حدود الحواجز؟ .. من أين جاء هذا المفهوم الغريب؟ .. تعال معى نتأمل تلك الكلمة الهيروغليفية "ست" إنها تعنى (يحملق ، يحدق النظر ، ينظر فى ثبات) (Gr. P.592). وهى من الكلمات القليلة ذات الثلاث مخصصات. وإذا تأملناها وجدنا أنها مُركَّبَة من ثلاثة مقاطع عبارة عن تمثيل للفعل والفاعل والمفعول به ؛ فالمقطع الأول هو ، والثانى مخصص سهم ، والثالث مُخصّص للعين.

المقطع الأول (وهو بمثابة الفعل) يعنى (يطلِق ، يقذف) ويظهر به مخصص سهم يخترق جلد بقرة كناية عن بلوغ الهدف ، والمقطع الثانى (وهو بمثابة المفعول به) مخصص السهم وهو ما يُطلَق ويمثل الأداة ، أما المقطع الثالث (وهو بمثابة الفاعل) فهو مخصص للعين للتعبير عن مصدر السهم.

سهمٌ ثاقِبْ يُطلَقْ مِنْ العَين

أى أن الكلمة تحكى فى رمزية قائلة (يَطلِق سهمًا من العِين) وفيها غزل واضح مع العبارة العربية (نظرة ثاقبة). وهنا يلح علينا هذا السؤال: ماذا كان يقصد المصريين القدماء بذلك السهم الخارج من العين؟ هل يقصدون شعاعًا مثلا؟ هل كان اعتقادهم - كما يقول البعض الآن - أن العين الشريرة تصدر أشعة تحطم ما تراه وتشتهيه ، بينما هى لا تملكه؟ هل عرف الفراعنة طبيعة الضوء الدقيقة كونه أشعة تنطلق كالسهم؟

إنى أشعر بما يدور فى خلدك ، تريد أن تقول لى: "يا أخى أنت تُحمِّل الأمور أكثر مما تحتمل ، لقد كان الفراعنة يعتقدون فى الحسد فرسموا السهم بجوار العين حتى يمنعها من تلك النظرة الشريرة الحاسدة ، إنهم ببساطة يقصدون (نظرة الحسد) وقد أبتكروا أمثالاً بمثابة التعويذات مثل (العين صابتنى ورب العرش نجَّانى) ؛ فربما كان هذا السهم هو "العود الذى يوضع في عين الحسود" طبقًا للمثل (عين الحسود فيها عود !!!) ... إذن لماذا كل هذا التأويل والتضخيم إنها مجرد أفكار عن الحسد وليس لها أدنى علاقة بالأشعة" .. إذن دعنى ألخص ما هو المطلوب: المطلوب أن نثبت إلى ماذا يرمز السهم؟ ، هل يرمز (للضوء)؟ أم يرمز (لأداة لدرأ الحسد)؟ .. هنا دعنى أعود معك إلى الإلهة "ساتت" التى دُعيت فى اليونانية "ساتيس" فاسمها يحتوى على نفس السهم وهى تعنى (سيدة الضوء) (Gr. P.592) ، وهى من بعض النماذج القمرية ؛ أى أن السهم له علاقة مباشرة بالضوء ، هذا أولاً. وثانيًا عندنا كلمة ستنهى الموضوع وهى كلمة "ستوت" بمعنى (أشعة) وهى من الفعل "ست" بمعنى (يقذف سهمًا) (Gr. P.592) ؛ أى أنها تعنى حرفيًا (المنطَلِق كالسَهم) مما يؤكد أن السهم الذى فى كل الكلمات السابقة يمثل الضوء وليس شيئًا آخر. ويقول الشاعر عصام سعد:

النسر واقف ع التبَّة زي القَدَر
تفوت ما بين ريشه الرياح
ونظره ثاقب يشوف الرِزق رغم المَطَر
وينزل زي سَهم القَضَا في البحر
مفرُود الجِنَاح
يطلع برزقه وهو قابض عليه
زي قبضِة جُندي ع السِلاح
يطعِم عياله ولمّا يشبعوا
تسمع صوت لعبُهم في الصياح
ويعود النسر راضي فوق التبَّة
مبسُوط القلب .. مبسُوط الجناح

و الجدير أن نذكر أن من "ست" الهيروغليفية جاءت shoot "شوت" الإنجليزية التى كانت تعنى (يطلق السهم) ثم صارت تعنى (يطلق النار). وبعض أفعال التحديق والنظر عند المصرى القديم كما أن فيها احساس (الثَقب) ، فيها أيضًا أحساس (القَطع) ؛ فنجد كلمة "مأأ" أو ، "مأأ" بمعنى (ينظر ، ينظر إلى) (Gr. P.567) التى فى تقديرى أنها تعنى بدقة (ينظر بتمعُّن) لأنها بقيت فى العامية المصرية "يمأأ" فيما نقول "ما تقعدش تمأأ بعينك فى الكتاب" أى (لا تنظر بشدة) ، ونلاحظ فى الكلمة صورة للمنجل الذى يرمز للقطع وهو علامة ثنائية تُنطَق "ما" ، وهكذا سترى أن هذا التعبير لا يخلو من الحِديَّة ، ذلك كَوْن المنجل (حاد وقاطع). والغريب أن كلمة "ماوت" من نفس الجذر جاءت بمعنى (أشعة) أيضًا (Gr. P.567) وكما ترى ستجد أن تلك الكلمة تحمل صورة للمنجل أيضًا. ويتضح هنا أيضًا علاقة الأشعة (بالقَطع) كما كان لها علاقة (بالثَقب) كما ذكرنا سابقًا. وعن علاقة النظر بالقطع ، يقول الشاعر السودانى إدريس جماع:

السيف في الغمد لا تُخشى بواتره
وسيف لحظيك في الحالين بتـّار

المعنى فى بطن الشاعر
"المعنى فى بطن الشاعر"! لماذا بطنه بالذات ، المفروض أن يكون المعنى فى عقل الشاعر ، فى فكر الشاعر ، فى راس الشاعر ، لكن فى بطنه؟! لماذا؟ من أين جئنا بهذا التعبير الغريب؟. من الجائز أن يكون من مصر القديمة! ... تعال نرى ماذا قال الفرعونى. يقول المصرى القديم "غت" بمعنى (بطن ، رَحِم ، جسم) ؛ ومنها قال التعبير "إميو غت" بمعنى (نيَّات ، أفكار) وهى مُركَّبَة من "إميو" بمعنى (داخل) ، ومن "غت" بمعنى (بطن) أى أنها تعنى حرفيًا (ما داخل البَطن) ؛ كما قال "سخر غت" بمعنى (قَصد ، نيَّة ، تفكير) (Fr. P.200) ، وهى تعنى حرفيًا (فكرة البطن) أو (فكرة الجسم) ؛ إذن فلا عجب أن نقول نحن أيضًا "المعنى فى بطن الشاعر" فقد قالها قبلنا المصرى القديم منذ ألاف السنين. ويقول عصام سعد:

من كام ألف عام بيطلع نهار ، ويغيب نهار
وتلف السواقي من سنين
والمعاني .. نفس المعاني .. في بطن الشاعر مَحبُوسين
والصمت هوه الصمت .. والحُزن هوه الحُزن ..
والكِلمة هي الكِلمة .. مش أكتر من حروف
لا بتسد جوع ، ولا تطرُد خوف ..
ولا بترجع حقوق المظلومين
والمعاني .. نفس المعاني
في بطن الشاعر محبوسين

آه ياواطى
هذا تعبير على سبيل السب يقوله العامة فى سبابهم ؛ فنسمع أحد الأشخاص يسب آخر قائلاً "إنت واطى" ، والبعض يقول "بيئة واطية" أو يقول "دون ومُنحَّط" ، وكلها ألفاظ تنم عن سلوك اجتماعى غير مقبول وعدم رُقى فى الأسلوب .. ومن المفترض أنك لا تسمع تلك الألفاظ إلا فى بيئات لها ثقافات معينة لم تنل الحظ الكافى من التعليم أو التهذيب ؛ فلتلك البيئة لها تعبيراتها الخاصة جدًا وعقليتها المتفردة جدًا ، سواء فى الملبس أو المسكن أو كل ما ينتمى إليها من نشاطات الحياة ...

هل ركبت ميكروباص لتسمع نوعية معينة من الأغانى الشعبية التى يستمع إليها بعض السائقين؟ لا أقول كلهم بل (بعض منهم) .. ستجدها متفرده جدًا ؛ فله ذوقه الخاص .. هل استطعت أن تتحمل درجة عُلُو الصوت الذى يُمتع بعض السائقين؟ بلا شك لا! .. إنه موضوع يحتاج لدراسة تلك الفئة التى لا تستمع أبدًا إلا بالصوت العالى ... كأن هناك علاقة عكسية بين رقى الإنسان ودرجة الصوت التى يحب الاستماع إليها. نعود للتعبير "يا واطى" .. وهو موجود فى العربية "سافل" المشتقة من "أسفل" من جذر (س ف ل) ؛ أى أن "سافل" تعنى فى النهاية (واطى). وتعبير "واطى" هو ترجمة للتعبير المصرى القديم "دح" بمعنى (أسفل) ومنها "دحى" بمعنى (يكون منخفض ، يكون واطئ) وتعنى أيضًا (وضيع ، حقير) (Fr. P.315). ويقول عصام سعد فى مواله:

أوعاك تصاحب الواطي وتقول أعلِّيه
أرفَع من شانُه وسط الخَلْق وأعلِّيه
ده الطين بياخد الفرع العالي ويوطى بيه
وقليل الأصل اصلُه غالب عليه
مهما تعليه

أدوس على قلبى
هكذا تقول الفتاة التى خاب ظنَّها فى حبيبها الذى خدعها بينما هى لا تزال تحبه ؛ تقول "أنا أدوس على قلبى برجلى ولا أدوسش على كرامتى" ، وبالطبع فالمقصود بالتعبير "أدوس على قلبى" هو (أكبت مشاعرى) ، ولكن تُرى مَن هو أول من أبتكر التعبير "أدوس على قلبى"؟ هل هو تعبير تلقائى ابتكره العامة بأنفسهم ، أما هو تعبير موروث منذ القدم؟ إنه تعبير يحمل كل شروط الجمال اللغوى ؛ إنه نفس تعبير أجدادنا المصريين القدماء ؛ حيث كانوا يقولون "هب إب" بمعنى (يكبت رغبة) (Fr. P.158) ، وهى مُركَّبَة من "هب" بمعنى (يطأ ، يدوس) ، ومن "إب" بمعنى (قلب) ؛ أى أن الفتاة الفرعونية كانت تقول نفس التعبير المعاصر تمامًا إذا خدعها حبيب القلب. ويقول عصام سعد:

نقول العبِّر فيها ، ونعادي اللي يحُط من شانها
ويهون العَرَقْ والدم لأجل ما يترفع شانها
عزيزة رغم غُلبها .. وعمر الفَقر ما شانها
ولو حَب القلب غيرها .. حُب الأم أولى
هارجع لها باكي .. وأدوس على قلبي
علشانها

عنده بُعد نظر
نحن ندعوا الشخص البصير "بعيد النظر" ؛ فنقول "إسمع كلام فلان لأنه بعيد النظر" أو "عنده بُعد نظر" أو "نظرته ما تخيِّبش أبدًا" ، ونقصد بهذا التعبير أنه (حكيم أو على دراية بالأمور) ؛ وفى اللغة العربية نقول "ذو نظرة بعيدة الأمَد" أو "ذو نظرة ثاقبة" وكلها تعبيرات تحمل نفس المعنى ... وهكذا قال المصرى القديم "أو حر" بمعنى (حَكيم ، بَصير) وهى مُركَّبَة من "أو" للتعبير عن (الطول أو البُعد أو الامتداد) ، ومن "حر" بمعنى (رؤية ، نَظَر) ؛ أى أنه كان يقول حرفيًا (بعيد النظر). ويقول عصام سعد:

مين عنده طرف الحقيقة ، ومين يدّعي بُعد النظر
ومين فيكم يجرؤ يقول انا شايف من بعيد حدود القدر
كله خادع حتى لون الزهور يا واهم مجرد خداع للبصر
والمكان نسبي والزمان ممكن يقف أو يرجع ورا مُنكسر
يا عقل يا متغطرس إلزم حدود الأدب واركع لرب البشر

خُدْ الطَريق دَه طوالى
كثيرًا ما نسمع شخص يشرح لآخر كيف يذهب لمكان ما ؛ فيقول له "خُد الطريق ده طوالى" أو نسمع تعبير آخر مثل "أنا خَدت الطريق الدائرى" ؛ والمقصود بـ"خُد الطريق" أى (أسلُكه) ، و"خَدت الطريق" أى (سلكته) وهو شئ مفهوم لنا جميعًا ؛ وفى تعبير آخر يقول البعض "إستلمت طريق صلاح سالم من أوله وبعدين دخلت يمين" والمقصود بـ "استلمت الطريق" (سَلَكتَهُ). وفى جميع الأحوال نحن لا ندقق كيف "يؤخَذْ" الطريق! أو كيف "يُستَلَم"!. وهذه الطريقة فى التعبير قديمة قِدَم الفراعنة ؛ فقد قالوا فى تعبيراتهم "ﭗﺳﺸ وات" بمعنى (يسلك الطريق) (Fr. P.271) ، وهى تعنى حرفيًا (استلم الطريق) أو (أخذ الطريق) لأنها مُركَّبَة من "ﭗﺳﺸ" بمعنى (يأخذ ، يَسْتلِم) ، ومن "وات" بمعنى (طريق) ، وكل ما فعلناه أننا ترجمنا التعبير المصرى القديم إلى العربية.

وهكذا أيضًا التعبير "ﭗﺳﺸ نمتوت" بمعنى (يصدِّق على أفعال) وهى حرفيًا (يأخذ حركة) وتقابل عند العامة (ياخد أكشن) كما فى الانجليزية take action ، وكذلك التعبير "ﭗﺳﺸ ن إب ن" بمعنى (الحبيب لـ) وهو حرفيًا (ياخد القلب لـ) فيما نقول "فلان ده فيه حاجة لله أول ما تشوفه ياخد قلبك على طول" ، والمقصود بتعبير "ياخد قلبك" هو (تحبه). وهكذا ستجد عشرات التعبيرات المعتمدة على الفعل "ﭗﺳﺸ" بمعنى (يأخذ ، يَسْتلِم) ، مثل "أول ما شافنى ، استلمنى تريقة" ، "العمر خده وما عملش حاجة" ، "أستلمه المرض مخلاش فيه" .. الى آخره من تلك التعبيرات المعتمدة على الفعل "أخذ" أو "استلم". ويقول عصام سعد:

من غير ما أبص ورايا ، خَدت الطريق طوالي
لا أخدت معايا زاد ، ولا رتبت أحوالي
ومشيت غريب .. في بلاد غريبة .. بين ناس غريبة
ولا حيلتي غير قلبي وصبري وغنوتي وموالي

ده واد ابن حِنتْ .. بتاع كُلُه
من هو "الحِنت" حتى نطلق على الصنايعى المَاهِر أنه إبنه؟ يُقال فى الأجواء الشعبية عن المِهنى الشاطر أو الصَنايعى الماهِر "إبن حِنت" ؛ وقد تسمع صاحب عمل يمتدح الصنايعى الذى يؤدى له عملاً قائلاً فى صيغة بلدية: "صحيح ده أنت واد ابن حِنت" ، وهنا يَفهَم الصنايعى أن صاحب العَمَل يمتدح مهارته وذكاءه فى العمل ... ثم يرشحه لصاحب عمل آخر قائلاً "لأ بقى ، ده الواد حسين ده يعجبك قوى ، واد مِدَقدَق وابن حنت" . هذا ما كان يقوله بالضبط المصرى القديم ؛ فكان يدعو المِهنَة أو الحِرفة "حنت" (Fr. P.171) ؛ أما الصنَّايعى الماهر الذى يمتلك أكثر من مهنة فى آن واحد فكان يُطلَق عليه "نب حنت" وتعنى (مِهَنى شاطر) ، وهى مُركَّبَة من "نب" بمعنى (كُل) ، ومن "حنت" بمعنى (مهنة) ؛ أى أنها تعنى حرفيًا (كُل المِهَن) ومنها جاءت ترجمتها الحرفية فى العامية (بتاع كُله) ؛ ومن "نب حنت" تحولت بقاعدة الإبدال إلى "بن حِنت" وتصور الناس أنها "إبن حِنت".

وكان المصرى القديم دقيقًا جِدًا فى عمله ؛ فيظل النحَّات يعمل فى التمثال ويهذب فيه حتى يرضى عنه تمامًا ؛ فإذا قلده الآن أحد أحفاده فى دقته لم نمتدحه ؛ بل عاتبناه قائلين "مالك قاعد عَمَّال تحنتِف ... ما تخلَّص" فلم يبقى عندنا كثيرًا من حِس المصرى القديم بالفَن ؛ فالحنتفة فى العمل هى (زيادة الصنعة فيه) حتى يكتمل على أحسن صورة.
ويقول عصام سعد:

رايح للغرب ببضاعته
وعاملي فيها ابن حنت
اتكلم عن المصري كمان وكمان
وكفاية حكاية ولد وبنت
ده العالم وقف على صوابعه
لما عن "الأرض" اتكلمت
ومحفوظ اخد "نوبل" من الحارة
مش من "كان" ولا من "كِنت"*

ما تخافش أنا وراك
أختلف الانطباع المعاصر عن التعبير "ما تخافش أنا وراك" ؛ فما أن تَسمَع من صديق أو قريب ذلك التعبير إلا وتُفسر معناه بأنك ستكون حتمًا وحيدًا فى موقفك الصعب ؛ فما أن تعطيه ظهرك حتى يولى عنك كالأرنب قائلاً فى نفسه "أنا قلت وراه مش جنبه". والمفروض أن تعبير "أنا وراك" كان يعنى "أحميك" ، "أدافع عنك". وفى مصر القديمة قالوا كلمة "حا" وهى حرف جر يعنى (خلف ، حول) ، ومنها قالوا بالنسب "حاى" أو "حاى" بمعنى (المحامى ، المدافع عن) ، وهى تعنى حرفيًا (الذى فى الخلف) (Fr. P.161) ؛ أى أن التعبير "أنا وراك" موجود منذ أيام أجدادنا الفراعنه ، ولكن تنفيذه الآن مختلف.

ويقول عصام سعد:

نشوف الديب يكشَّر .. نقول : يا ما أحلى الإبتسامة
نشوف الحية باضت .. نقول : أكيد ها تجيب حمامة
نسمع : متخافش أنا وراك .. نقول : يا سلام على الشهامة
وعشان بنخاف من أي حاجة .. يا للسذاجة ..
من كتر ما بنسترجى الأمان والسلامة
بندفن رؤوسنا قدام الشواهد .. تمام زي النعَّامة

دى بِجحة ووشها مكشوف
هل سمعت مرة العبارة التالية: "دى بنت بجحة وشَّها مكشوف ، ما تستحيش تعمل الغلط عينى عينك" .. إن العلاقة بين الخجل أو الحياء وتغطية الوجه علاقة فطرية تولد معنا ؛ فإذا كذب إبنك أو فعل خطأ ما وواجهته به ثم أحس أنه قد انكشف ؛ سارع ليغطى وجهه بكلتا يدية لعدم مواجهة نظرات اللوم والعتاب ؛ فإذا كبر وتخضرَم فى الحياة ، حاول أن يدرَّب نفسه أن لا تظهر عليه علامات الخَجَل عند فعل الخطأ بُغية أن يخفى عَملته ... وهكذا فإذا وصلت الأنثى – والتى من المفترض أن حياءها يفوق حياء الرجال – إلى درجة تلفظت فيها بألفاظ نابية لا تليق دون أن يظهر منها ملامح للخجل قالوا عنها (قليلة الحيا وشّها مكشوف). وهكذا أيضًا كان المصرى القديم يعبر عنها ؛ فكلمة "حبس" أو "حبس" تعنى (يكسو ، يغطى) ومنها قالوا "حبس حر" بمعنى (يكون مُتعَذِر الوصول لأعذار) وهى حرفيًا (المُغطى الوجه) (Fr. P.167) ؛ فهى مُركَّبَة من "حبس" بمعنى (مُغطى) ، ومن "حر" بمعنى (وجه) ؛ أى أن الخجلان هو من يغطى وجهه عند فعل الخطأ ، أما من يفعل الخطأ ولا يغطى وجهه خجلاً فيكون (وشّه مكشوف) .. ويقول الشاعر عصام سعد:

بأضحك من جنــابي وبأضرب بالكفوف
اما صحيح دي دنيا بجحة ووشها مكشوف
بتعلي ناس لئيمة ملهاش لا روح ولا قيمة
وناس رَسَمِت وكَتَبِت بتاخد بالقديمة
وتقاسي من الجحوف
يا نجمة يا بعيدة خليكي هنـاك بعيدة
عندنا نجوم جديدة بمؤهـلات جديدة
واهم حاجة فيها .. بجحة وتلمة ووشها مكشوف

قلبى واكلنى
هل صادفت شخصًا تم تعيينه حديثًا فى وظيفه؟ .. إن أول شَوقه أن يرى طبيعة عمله بأسرع ما يمكن ، وربما قال لصاحب العمل "أنا قلبى واكلنى ع الشغل ، قوللى أنا هعمل أيه؟" .. والسؤال: من هو أول من قرر استخدام التعبير "قلبى واكلنى"؟ .. تعال نتأمل هذا التعبير المصرى القديم الذى ورد بمعجَم فوكنر "إب.سن ﺢﺴﭘ ر عحا" ويعنى (مشتاقين للقتال) (Fr. P.94) ، وإذا حللته وجدته مركَّب من تلك الكلمات كالتالى: "إب.سن" بمعنى (قلبهم) ، "ﺢﺴﭘ" بمعنى (واكلهم ، يعضهم) ، "ر" حرف جر بمعنى (إلى ، لـ) ، "عحا" بمعنى (قتال ، عراك) ؛ أى أن الجملة تعنى حرفيًا (قلبهم واكلهم ع الخِناق) .. أليس ذلك التعبير باق كما هو للآن !!! ، ويقول الشاعر عصام سعد:

في عينيك بأشوف أيامي اللي جاية
وبتصعب عليا لما ببص في عينيك
خايف تورِّث الحلم والأحزان ..
وحلمي يا بني واعر عليك
على كتفي شايل كام ألف عام ..
ولما ضهري ينحني راح ارمي حِملي عليك
ظلَمتَك لما ولدتَك في الشَقا
قلبك زي جُمَّار النخل أبيض ، وقلبي واكلني عليك

ابن بارم ديله
كنت أسمع عبارة منذ الصغِر كان يقولها أخى الأكبر لكل مختال متكبر: "يعنى ابن بارم ديله يا خَىْ".. ولم أستوعب فى الصِغَر من يكون "بارم ديله" ، وبالطبع ولا فى الكِبَر .. ولكنّى فى كل الأحوال كُنت أفهم من معنى العبارة أن كل شخص يتمنى أن يكون (إبن بارم ديله) .. وكأنها ترادف عندى (عامل فيها ابن بشوات) واضعًا فى ذهنى أن العامة استبدلوا شنب الباشا المبروم بالذيل للاستهزاء .. سَكَنَتْ العبارة فى ذهنى ؛ وأصبحت أقول لكل مغرور – ولو فى سِرِّى – "فاكر نفسه ابن بارم ديله" .. ومع كثرة المطالعة فى اللغة المصرية القديمة وجدت حيوانًا به هذه الشروط ؛ إنه "ستغ" أو الإله "ستغ" ومؤخرًا كتبوها ، "ست" والمعروف عنه أنه يمثل إله الشر (Gr. P.593) ؛ وإلى الآن يحتار علماء المصريات فى ماهية هذا الحيوان ، هل هو كلب أم ذئب أم إبن أوى؟ أم هو خليط بين أكثر من حيوان؟ لا أحد يعرف بالتحديد ؛ بل كلها تكهنات لا ترقى لمستوى التأكيد.

الإله ست (بارم ديله)

إذا تأملت فى صورة هذا الحيوان الغامض ، وجدت له ذيل منتصب لأعلى ومفرع فى نهايته وكأنه مبروم إلا الطَرَف .. أى أنه ربما كان بالفعل (بارم ديله) .. وبالبحث عن أى دليل أو أى فعل يحتوى على هذا الحيوان تجد كلمة "سوه" بمعنى (يتباهى ، يتفاخر) (Gr. P.589) ، وبها مخصص لنفس الحيوان ذو الذيل المنتصب لأعلى. إذاً بما أن هذا الحيوان يرتبط بالتفاخر والتباهى فليس ببعيد أن يكون (بارم ديله) هو (ست إله الشر) ، و (إبن بارم ديله) هو كل من ينتمى لسلوكه النرجسى. ويقول الشاعر عصام سعد:

عَملت فيها ابن بارم ديله
وقلت هجيب الديب من ديله
ضحك الزمان بغضب وكشَّر
وقام واقف على حيله
خبطني بالقلم وقِعت
وقمت واقف بعِند قدامه
ام خابطني بعزم ما في حيله
وقِعت .. طبطب عليَّ وقاللي
مالك ومال الديب .. ميّل هنا ميّل
رحت مايل على ميله

مشى نَفسَك بالقرشين دول
نحن ولاد البلد نفهم فى الأصول ، ولنا من الأمثال ما يحثنا على استنباط المواقف التى يجب أن يكون لنا فيها تصرُّف ما ، ويقول المثل الشعبى "إللى ما يشوفش م الغربال يبقى أعمى" ، فمن الطبيعى أن تجد شخص يزور مريض فيميل إليه بظرف به بعض المال قائلاً: "أنا عارف الظروف ، معلش مشى نفسَك بالقرشين دول لحد ما ربنا يصلِح الحال". وما يهمنا هنا هو التعبير "مشِّى نفسَك" أو قد تسمعها فى لغة أدنى درجة "سلِّك نفسَك" ... وهو نفس ما يقوله المصرى القديم .. ولنبدأ بالجذر الأساسى ؛ فعند المصرى القديم كلمة "شم" أو مختصرة "شم" تعنى (يَمْشى ، يتصرَّف) (Fr. P.266) ، ومنها جاءت "شم إن نى سيم" التى تعنى (التمشى فى الحدائق) - والتى ظنها البعض عربية "شم النسيم" - ومنها أيضًا قال "إر شمت" بمعنى (ينجز عَمَل) كما تعنى (يسلِّك) ؛ لذا قال المصرى القديم "متنو حر إرت شمت" بمعنى (الطُرُق سالكة) وهى حرفيًا (الطُرُق ماشية) كما نقول الآن تمامًا ؛ أى أنك لو سمعت شخص يقول "سيبلى العربية دى وأنا هسلكهالك م المرور" فيعنى ذلك أنه (سينجزها) ، وإذا لم يستطع وذهبت بنفسك وغمزت الموظف بكام لحلوح فأكيد (هيمشيهالك). ويقول عصام سعد:

مكتوب على ورق الكوسة
بالذات في بلادنا المحروسة
سلِّك حالَك .. حالَك يمشي
وأهو بدل الدوخة والحوسة
وبقرشك تشتري مصلحتك
وتجيب الورقة المدفوسة

ده أيده فِرطة وكريم
مازلنا نستخدم تعبيرات المصرى القديم كما هى بعد ترجمتها للعربية ؛ فكان المصرى القديم يقول "أو ﭽﺭﺕ" بمعنى (كريم ، سخى) ، وهى مُركَّبَة من "أو" للتعبير عن (الامتداد) ، ومن "ﭽﺭﺕ" بمعنى (يد) أى أنها تعنى حرفيًا (ممدود اليد) أو (ذو يد ممدودة) (Fr. P.1) ؛ وهكذا بقى التعبير العامى "إيده فِرطة" ؛ فكنت أسمع أمى رحمها الله إذا أرادت أن تقول عن شخص أنه "كريم" قالت "فلان إيده فِرْطَة" وهى حرفيًا (يده ممدودة) كما عبَّر المصرى القديم تمامًا منذ ألاف السنين. ويقول عصام سعد:

لو تطلب من العبد .. يبيع ويشتري فيك
ولو عطاك يعايرك .. ويشهّر بين الخلق بيك
انما ربك رحمته واسعة .. أكتر ما تحتاج ها يديك
اطلب من الله .. ايــديه فرطه
ومش ممكن ها يبخل عليك

قلبه مكسور
"سيبوا فى حالة ده قلبه مكسور من ساعة اللى جراله" عبارة مألوفة ومفهومة ؛ نسمعها ونتعاطف مع هذا الشخص الذى انكسر قلبه ، ولم نفكر اطلاقًا فى (كيف يُكسَر القلب) أو ما هو أصل التعبير. فإذا رجعنا لأجدادنا هل يا ترى سنجد أن قلوبهم كانت قابلة للكسر كالزجاج ، أم كانت لهم قلوب من نوع آخر ، معدنية مثلاً! يقول المصرى القديم "ﺤﭻ.إب" بمعنى (حزين) (Fr. P.182) ، وهى مُركَّبَة من "ﻰﭼﺤ" بمعنى (مكسور) ، ومن "إب" بمعنى (قلب) ، أى أن الفراعنة يدعون الحزين (مكسور القلب) تمامًا كما نعبِّر الآن. ويقول عصام سعد:

لكل واحد عدل ومتفصل على مقاسه
يا هل ترى العدل اساس الملك
وألا الملك اللي اساسه
قلبي مكسور على العدل اللي الكل ميّله
وكل واحد يقيس في عدل غيره ويعدله
وعدله مش مظبوط وعمره ما قاسه

أنا بقول الأهلى هيكسب
كنت أشاهد مباراة ساخنة بين فريقى الأهلى والزمالك ؛ ولأننى لا أشجع الكرُة نهائيًا ولكنى أتونَّس بالجلسة مع أصدقائى ، كنت أجلس سارحًا فى ملكوت آخر أتابع كلمات المعلِّق وتعليقات الأصدقاء محاولاً أن أخرج بشئ ما ... يقول أحد الأصدقاء "أنا بقول الأهلى هو إللى هيكسب" ؛ فيرد آخر "أنا بقى بقول الزمالك" ... سَرَحْت فى كلمة "بقول" ؛ فبالطبع تعبير "أنا بقول" يعنى (أنا أتوقَّع) ؛ فالمعنى الدقيق للعبارة (أتوقع أن يكسب الأهلى) ؛ أى أن كلمة "يقول" العامية تكافئ (يتوقع).

رجعت إلى معجم فوكنر فوجدت أن ما نقوله هو ما يقوله جدى الأكبر تمامًا ؛ فكلمة "ﺪﭽ" تعنى عند المصرى القديم (يقول) وتعنى أيضًا (يتوقع) (Fr. P.325) ؛ ولدهشتى وجدت أيضًا "م ﺪﭽ" بمعنى (أى ، أعنى) هى حرفيًا (زى قولة) أو (زى ما تقول) ؛ فرجعت فى التو لجملة خطرت على بالى "ما ادهوش وش ، زى قولة أيه إللى جايبك" فعرفت أننا ورثنا هذه التعبيرات من أجدادنا. ويقول عصام سعد:

كنت بأقول ها نبقى حاجة
معرفش ليه بطلت أقول
وكان في ظني هنعمل حاجة
لكن بقالنا سنين بنقـول
وكنت راسم لبكرة كام سيناريو وردي
وكام حاجة
لكن ما عادش منهم شئ مقبول
يمكن متشائم أو حاجة
لكني حاسس شئ مجهول

راجل إبن راجل
كثيرًا ما نسمع تعبيرات من الصبية أثناء لعبهم ؛ فتجد أحدهم يقول للآخر "لو راجل تغلبنى فى الجرى" أو من يقول "لو راجل إبن راجل تِكسَر الخشبة دى" ، أو يقول أحدهم مشجعًا آخر "لأ ابن راجل صحيح" .. وعند المصرى القديم كلمة "سِ" تعنى (رَجُلٌ) ، وكانت تعنى أيضًا (رجل فى تصرُّفه) ؛ ، فمن منّا لم يسمع أبو العروس وهو يقول "إحنا بنشترى راجل". وهناك التعبير "سا سِ" وهى مركبة من "سا" بمعنى (إبن) ، ومن "سِ" بمعنى (رجل) ؛ أى أنها تعنى حرفيًا (إبن راجل) وكانت تستخدم للكناية عن الشهامة وحُسن الأصل ؛ أى كما نعبر الآن تمامًا. وإذا تأملنا فى تعبير آخر مثل "س ن عق" والتى تعنى (رَجلٌ جَدير بالثقة) (Fr. P.205) ؛ ستجد أنها تعنى حَرفيًا (رجل الدخول) ، ولكن ما معنى رجل الدخول؟ هل هناك رجل للدخول وآخر للخروج؟ إن هذا التعبير ليس له تفسير عندى إلا مضاهاته بالتعبير الشعبى "يفوت فى الحديد" فيما تجد أحد الأشخاص يمتدح آخر قائلاً "فلان ما يتخافش عليه .. ده يفوت فى الحديد". ويقول عصام سعد:

"راجل ابن راجل وأفوت في الحديد"
كلام بنسمعه في بحرى وفي الصعيد
وجرايم بتُرتكب بإسم الشرف والرجولة
وهي بعيدة عنهم ، وهما عنها بعيد

حلو على قلبى
ألم ترى فتاة بيضاء فارعة الطول تسير بجوار زوجها الأسمر القليل الوسامة ، ومع ذلك فهو (على قلبها زى العَسَل). إذا تأملنا فى التعبير المصرى القديم "نفر حر إب" بمعنى (سَارٌ ، مُرضٍ) ، سنجده مركَّب من "نفر" بمعنى (جميل ، جيد) ، ومن "حر" بمعنى (على) ، ومن "إب" بمعنى (قلب) ؛ أى أن التعبير يعنى حرفيًا (جميل على القلب) ؛ أليس هذا هو نفس التعبير (حلو على قلبى)؟ .. على الجانب الآخر كان يقول أجدادنا أيضًا التعبير "بينت حر إب" بمعنى (غير مرغوب) ، وهو مركَّب من "بينت" بمعنى (سئ ، كريه) ، ومن "حر" بمعنى (على) ، ومن "إب" بمعنى (قلب) ؛ أى أن التعبير يعنى حرفيًا (كريه على القَلب) ، وهو تعبير له عِدة أشكال أخرى مثل "تقيل على قلبى" ، "دمّه لاطِش" ، "دمُّه زى السم" إلخ .. ويقول الشاعر عصام سعد:

فيه ناس تسقيك العَسَل ، وعسلهُم مُر على قلبك
وناس تسقيك المُر ، ومرُّهم حِلو على قلبك
وناس تغفر لهم من غير ما يعتذروا
وناس مهما تعتذر تفضل مرارة في قلبك
وناس تخلِص لها وتُغدُر بَك
وبرضه تخلِص لها مهما تُغدر بَك

ما حدِّش شاف وِشه من ساعتها
عند العامة تعبير "شاف وِشه" يعنى (رآه) ، وهو أسلوب تخصيص الجزء للتعبير عن الكُل ، وهو جهة من جهات المجاز ، وقد ذكر العلامة فخر الدين الرازي – كما ورد فى تاج العروس - اثنا عشر وجها للمجاز منهم ، أحدها التجوز بلفظ السبب عن المسبب، ثم الأسباب أربعة: القابل، كقولهم سال الوادي، والصوري، كقولهم لليد إنها قدرة، والفاعل، كقولهم نزل السحاب أي المطر، والغائي كتسميتهم العنب الخمر. الثاني بلفظ المسبب عن السبب، كتسميتهم المرض الشديد بالموت. الثالث المشابهة، كالأسد للشجاع. والرابع المضادة، كالسيئة للجزاء. الخامس والسادس بلفظ الكل للجزء ، كالعام للخاص ، واسم الجزء للكل ، وهو ما يهمنا هنا ، وهو إسلوب متكرر فى تعبيراتنا العامية ؛ فإذا قُلنا "ما خدتِش حاجة من وِشك" نعنى (لم نأخذ شئ منك). وهكذا كان إسلوب المصرى القديم أيضًا ؛ فإذا أراد أن يقول عن فلان أنه (ظَهَر) قال "ما.تو حر.ف ﭙﺩﺱ حر.س" (Fr. P.100) وهى تعنى حرفيًا (تم رؤية وجهه) أى (شافوا وِشه). ويقول عصام سعد:

من يوم ما غاب عن عِشُّه
محدش ياختي شاف وشُّه
وعياله بيسألوا عنه
من غير ولا قرش تاركهم
بخلان علينا بعشرته وقِرشُه
وايه يجبره يشيل لحمُه
لا قانون يردعه ، ولا دم في وشُّه

فرصة سعيدة
على ضفة النيل الشرقية وقف جدى الأكبر مخترع اللغة المصرية القديمة يتأمل ما يفعله الغربال الذى ينقى القمح بعد درسه .. هذا الغربال الدائرى الملئ بالثقوب .. وجَدَ أن طبيعة عمله هى اهتزازات متتالية كأنها أحداث متلاحقة .. كل مرة يهتز فيها الغربال كان يفصل حبوب القمح الثقيلة عن الشوائب الخفيفة الملتصقه به .. وكلما كانت الهزة ثقيلة كانت التنقية أفضل ؛ فكل حَدَث من الغربال يؤدى لمزيد من نزع القشور عن القمح ... إن هذا الغربال المصرى القديم فى شكله الدائرى بما يمثل من اللانهائية ، هو النموذج الأمثل لتمثيل (الزمن بأحداثه) ، وما القمح الذى يُدرّس - بما يمثل من غذاء أساسى للإنسان - ما هو إلا (الإنسان الحى) ... إن كل إهتزازة من الغربال هى فِعل نفعله أو حَدَث يحدُث لنا خلال رحلة العمر ينقى طبيعتنا ويزيل عنا شوائب الإثم والخطيئة ومن ثَم يعطينا (فرصة) أخرى فى الحياة ربما لأحداث آخرى.

قَرَّر جدى الأكبر أن يتخذ من الغربال رمزًا للزمن ، وعدد الحوادث ، وشئون الحياة ، وفرصها ؛ فقال "ﭗﺴ" بمعنى (زمن ، مرَّة ، شأن ، فرصة) (Fr. P.221) ، وكما نرى فتلك الكلمة مكونة ببساطة من العلامة لتعبِّر عن الصوت (س) ، والعلامة لتعبِّر عن الصوت (ﭖ) ويجاورهم صورة الغربال كمُخصص للتعبير الرمزى عن مكنون الكلمة.

ذلك بالطبع بعد أن دعا الغربال نفسه "ﺕﭙﺴ" واضعًا تاء التأنيث للكلمة .. بدأ جدى الأكبر يؤلف تعبيرات مع كلمة "ﭗﺴ" التى تعنى (زمن ، مرَّة ، شأن ، فرصة) فقال "ن ﭗﺴ" بمعنى (حالاً) وهى حرفيًا (فى الوقت) أو (وقتى) كما نقول فى تعبيراتنا العامية "إديله الفلوس وقتى" ، ثم قال "ن ﭗﺴ" بمعنى (أبدًا) وهى حرفيًا (ولا مرة) ، ثم قال "ن ﭙﺎ ﭗﺴ.ف تم يو" بمعنى (وقته لم يفشل أبدًا ليأتى) (Fr. P.221) وتقابل فى تعبيراتنا (وقته ما راحش) فيما نقول (ما تستجعلش لسة وقته ما راحش) أو (وقته لسة جاى) ... وهكذا كوَّن جدنا الأكبر العديد من التعبيرات التى تستَخدِم كلمة "ﭗﺴ" فى تركيبها ، ولضيق المجال لذكرها نكتفى بالتعبير الذى يخص موضوعنا وهو "ﭙﻭ ﭗﺴ نفر" وهو التعبير الذى كان يقوله المصرى القديم لضيوفه ويعنى (فرصة سعيدة).

وإنها لفرصة سعيدة أن نذكُر أن "ﺕﭙﺴ" بمعنى (غُربال) والتى كانت تُنطَق "ﺴﭙﺔ" - والتاء للتأنيث أى أن أصلها "ﺴﭖ" - هى الأصل لكلمة sieve "ﺴﻴﭪ" الانجليزية بمعنى (غُربال) ذلك لتحول الباء المهموسة إلى v الانجليزية مع سقوط تاء التأنيث ، ومنها الفعل sift بمعنى (ينخل ، يغربل) ، وهكذا فى معظم اللغات الأوربية ؛ ففى البرتغالية أيضًا sieve "ﺴﻴﭪ" ، وفى الألمانية sieb "زيب" ، والهولندية zeef "زيف" وكلها عن الكلمة المصرية القديمة ؛ فالفراعنة هم أول من اخترعوا الغربال ودعوه "ﺕﭙﺴ". ويقول عصام سعد:

يا غربال الزمن يا أبو خروم ضيقة
بعنف غربلت فينا ، نـَــزِّلت أوحش ما فينا
هزيت حاجات دفينة في روحنا متلزقة
يا غربال الحياة .. هىَّ الحياة فرصة
يا تبقى فرصة سعيدة .. يا محنة ومزنقّة

ما طلِعش م البيضة
"أما عجايب ، بقى الواد إللى لِسَّة م طلِعش م البيضة بيعدِّل على أبوه!" .. هكذا يقول الأب لإبنه بانفعال .. ثم يُكْمل "ده أنت ابن امبارح" ويقصد (مازلت صغيرًا) .. وتلك التعبيرات السابقة ما هى إلا تأثير مباشر لذكريات تعبيرات أجدادنا الفراعنة ؛ فإذا عُدنا للخلف بضعة الاف من السنين ؛ نجد أن المصرى القديم كان يدعوا البيضة "سوحت" واضعًا مُخصّص البيضة بجوار الكلمة ، وهى نفس الكلمة التى تحورت فى صعيد مصر إلى كلمة "دِحية". والبيضة هى المكان الذى يغلِّف المولود (الكتكوت) قبل ولادته ، ولأن التابوت هو أيضًا مكان للميلاد الجديد ؛ فدعاه المصرى "سوحت" واضعًا مُخصّص الخشب بجوار الكلمة وهو يمثل فرع من شجرة حيث كان يُصنَع التابوت .. ونفس الفكرة فى الكفن الذى يغلِّف المتوفى ؛ فقد دعاه المصرى "سوحت" ولكن مع وضع مخصص الكتَّان هذه المرّة (Fr. P.215).

وقَد دُعى (الجنين) فى مصر القديمة "إمى سوحت" وهى مركبة من "إمى" بمعنى (الكائن بداخل) ، ومن "سوحت" بمعنى (بيضة) ؛ أى أنها تعنى حرفيًا (من بداخل البيضة) ؛ وقال "إميو سوحت" بمعنى (الأجنَّة) وهى حرفيًا (الذين بداخل البيضة). أى أننا إذا قلنا فى تعبيراتنا "لسَّة ما طلعش م البيضة" ، فنحن نحاكى أجدادنا المصريين القدماء فى تعبيراتهم ؛ ويحاكيهم ويحاكينا قول عصام سعد فى تلك الأبيات:

كتكُوت وطَالِع م البيضَة وشُوفوا تَعَجرِيفه
حَاسس كأنّه ديك البَرابِر
والكُل تحت تَصَاريفُه
على ايه مِستَعجل يا كتكُوت
غني لك شويَّة ، وصَوصَو لك شويّه
الديك صحيح له شنَّة وهِـيبة
لكنه بيندبح ، ويمَصمَصوا غضاريفُه